شارون فقد عقله
بقلم :منير شفيق
في الصراع بين قوي وضعيف يحتاج القوي مثل
الضعيف الى تغليب العقل والعقلانية، بمعنى المراعاة الدقيقة لموازين القوى والظروف
والمعطيات المختلفة. وهذه عملية يفترض بها ان تكون نسبية ومتحركة لأن موازين القوى
والظروف والمعطيات المختلفة متحركة ومتغيرة.
تأتي مشكلة الضعيف مع العقل والعقلانية من
نشوء اتجاه داخله يستند الى مقولات من مثل: «انا الغريق فما خوفي من البلل»، او
«خربانة خربانة خلي اللي يصير يصير»، «اكثر من هذا السوء لا يوجد سوء».. وما شابه.
الأمر الذي يقود الى التطرف والغلو النابعين من يأس الضعيف ونفاذ صبره. ولعل كثرة
ما جاء في القرآن من آيات حول الصبر وعدم القنوط من رحمة الله جاءت لتحمي الضعيف
والمبتلى من ذلك اليأس ونفاذ الصبر. فاذا كان مع الصبر المصابرة «اصبروا وصابروا»،
فان مع الصبر العقل والعقلانية كذلك. لأنه يسمح بالتفكير السليم وحسن مراعاة
موازين القوى والظروف والمعطيات المختلفة.
اما آفة القوى فتأتي مما تولده القوة والسطوة
من غرور وغطرسة وكبر. مما يدفع الى التطرف والغلو بعيداً عن العقل والعقلانية من
حيث المراعاة الدقيقة لموازين القوى والظروف والمعطيات المختلفة. فلا يرى من عناصر
القوة غير العضلات العسكرية والمطرقة متجاهلاً مجموعة العوامل الاخرى المؤثرة التي
اذا افتقدتها القوة العسكرية فستنتهي الى فشل وخسائر وربما هزيمة منكرة.
والذي يحدث الآن على المستوى العالمي وفي
فلسطين يمثلان حالة فقدان العقل والعقلانية من جانب بوش وشارون، حيث تضخمت الغطرسة
فيهما ولم يعودا قادرين على رؤية جملة من الحقائق حولهما، فحصرا نظرهما في فعل
الصاروخ والطائرة والدبابة، والاعتماد على ارهاب الخصم من خلال البطش والقتل
والتدمير. وقد كان الزعيم الشيخ احمد ياسين الذي انجاه الله هو والقائد اسماعيل
هنية من الاغتيال، على حق حين قال «ان شارون فقد عقله». وهذه جملة تحمل اكثر من
وصفه بالجنون اذ توحي بأن شارون فقد أعصابه واتزانه نتيجة ما يعانيه من ازمة
واختناق فمضى يخبط خبط عشواء في استخدام قوته العسكرية.
والشيء نفسه يمكن ان يقال في بوش الذي راح
يؤيد شارون ويشاركه في الهجوم على الشعب الفلسطيني كله، من خلال اعلان استراتيجية
اغتيال القيادات في حماس والجهاد وعلى مستوى الكوادر في كتائب الاقصى، اما الشعبية
فقد بدأ فيها اغتيال القيادات الاولى الشهيد ابو علي مصطفى، ولا يقلل من هذه
المشاركة تحفظ بوش على قرار ابعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهو اختلاف في
التفصيل والتوقيت، لأن موافقة شارون على عزل ياسر عرفات هو الجوهر في قرار ابعاده
وهو من ورائه ايضاً.
تبقى نقطة يجب ان تؤخذ في عين الاعتبار وهي
ان القوي اذ تبلغ غطرسته مداها ويفقد عقله وعقلانيته، ولو اصبح اكثر خطراً في
القتل والبطش وجنون القوة، فإن ذلك يعني انه في طريقه الى الفشل وربما الى
الهزيمة.