سلفيو الكويت.. حالة أصولية خاصة شهدت الكويت على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية حالة من الحراك السياسي والفكري، على المستويين النخبوي والشعبي. الأمر الذي جعله يتصدر المشهد الإعلامي في المنطقة العربية بأكملها، ليستحوذ على اهتمام المحللين والخبراء والمراقبين للشارع العربي ذي التوجه الإسلامي بشكل خاص. قاد هذا الحراك التيار السلفي الكويتي، الذي جاء ردة فعل لحدث عُد بمثابة المقياس الحقيقي لحجم وقوة هذا التيار السلفي ذي المرجعية الأصولية في الكويت. وحينما نشير في مقالتنا هذه التي تتناول أكثر التيارات الإسلامية انتشاراً وتشعباً ونضجاً في الكويت، تواجدت بزخم على مستويات عده ثقافية منها وفكرية وسياسية أيضاً، إنما نقصد تلك التي تُعرَف وتُعرِف نفسها بالمعتدلة التي صارت حالة خاصة في الكويت دون غيرها.
الداعية الشيعي ياسر الحبيب
ومن بريطانيا كان الحدث، وذلك حينما قام الداعية الشيعي- غير المعروف- المدعو ياسر الحبيب بالنيل من السيدة عائشة بالسب والقذف، وذلك خلال حفل أقيم خصيصاً بالعاصمة البريطانية لندن، للاحتفاء والاحتفال بذكرى وفاتها، حسبما تداول عبر المواقع الإلكترونية السنية والشيعية على حد سواء. وكون الحدث يتعلق بشكل مباشر بثوابت العقيدة الإسلامية، وبشخص النبي الأعظم محمد بن عبد الله متمثلاً في زوجه عائشة بنت أبي بكر الصديق - كما عبر عنها التيار السلفي بالكويت- وبما أن لهذا الحدث حساسية كبيرة لدى جموع المسلمين ليس داخل الكويت فحسب، وإنما في العالم أجمع خاصة الجانب السني منه، زاد الأمر تعقيداً. . ورأى التيار السلفي بالكويت انه لا بد من وقفة أمام هذا الحدث بشكل عام، والرجل الشيعي. تمثلت في مظاهرات واعتصامات اجتاحت الكويت من أقصاها إلى أقصاها، نظراً لكون الداعية الشيعي يحمل الجنسية الكويتية.
سلفية أصولية أكثرحركية
يمكننا رصد التغير الحركي والايديولوجي للتيار السلفي في الفترة الأخيرة بالنظر في محطتين مهمتين برزتا في الفترة الأخيرة. أولاهما كانت على المستوى الخارجي وبحضور فردي ممثل عن التيار السلفي بأكمله، وهو وجود النائب البرلماني الإسلامي وليد الطبطبائيعلى متن سفن أسطول الحرية في أيار (مايو) الماضي 2010. الأسطول الذي كان في طريقه إلى غزة، حاملاً مساعدات إنسانية لهذا القطاع المكلوم والمحاصر. هي الكلمات ذاتها التي تضمنتها وصية الطبطبائي الأخيرة، التي تركها قبيل امتطائه صهوة أسطول الحرية. فكرة التعاطي مع القضايا الإسلامية بصورة أو بأخرى بالخطابات والاستنكارات والشجب وغير ذلك امر يشترك فيه الجميع. أما ان يصل الأمر لفكرة التضحية بالنفس من أجل فكرة بعينها، خاصة أن التيار السلفي بصورة عامة، اقصد المعتدل منه، عنده رؤية ايديولوجية تحكمة منذ عقود لا تجعله يخرج من إسارها، وهو التركيز بشكل كبير على التربية، ومن ثم التربية بأشكالها المختلفة والمتنوعة التي لا تخرج عن ابواب الفقة والتراث، يعطي انطباعا بتطور فكر وأيديولوجية هذا التيار الأقل حركية عن غيره من التيارات الإسلامية الأخرى، مما أضاف له نضجاً أهله لمواقف أكثر حزما وأكثر فاعلية فيما بعد. ومثل الاعتداء الصارخ من جانب القوات الإسرائيلية على سفن اسطول الحرية، ومن ثم قتل البعض وأسر البقية الباقية، الذي كان الطبطبائي واحدا منهم، علامة فارقة للرجل ولانتمائه الفكري أيضاً، شعر الكويتيون بأن الطبطبائي ومن يمثلهم رقم صعب لا يمكن تجاوزه. وتأتي المحطة الثانية والأكثر أهمية، بعد ثلاثة أشهر من أحداث أسطول الحرية، وأعلن النفير العام وسط صفوف التيار السلفي بالكويت، سواء اكان ذلك على المستوى المؤسسي او الشعبي، مطالبين بموقف حازم من الحكومة الكويتية من هذا الرجل الشيعي الذي نال من السيدة عائشة رضي الله عنها، خاصة انه يحمل الجنسيتين الكويتية والبريطانية.
رموز السلفية يقودون الثورة
قادت رموز السلفية في الكويت المظاهرات والاعتصامات التي امتلأت بها الكويت، ومن يمثلونهم داخل البرلمان الكويتي، على رأسهم الشيخ عثمان الخميس رأس التيار السلفي وعموده بالكويت، وفهيد الهيلم الناطق الرسمي للحركة السلفية هناك، والنائب السابق عبد الله البرغش والنائب سلم البراك والنائب حسين فريد والنائب السابق عبد اللطيف العمري ...وعلى رأسهم وليد الطبطبائي الذي شدد على مطالب التي رفعتها المظاهرات والاعتصامات باتخاذ موقف فيصلي وحاسم لوضع حد نهائي لهذا الرجل، وتلبية لتلك المطالب اصدرت الحكومة الكويتية مرسوما يقضي بسحب الجنسية عن الرجل الشيعي. ..مما عد موقفا ايجابيا اخر على المستوى الداخلي يضاف للتيار السلفي هناك.
النخب الثقافية الليبرالية والتيار السلفي
شيء آخر لا يمكن تجاوزه، وأجده ضرورة ملحة للعروج إليه خلال تقريرنا هذا، الذي تناول تياراً إسلامياً سلفياً ذا خصيصة تجعله حالة خاصة تتفرد عما سواها، سواء اكان ذلك داخل المنطقة العربية أو خارجها، بدءاً من المشاركة في الحياة السياسية ومروراً بالحضور القوى على المستويات الفكرية والثقافية، انتهاء بالوجود الإعلامي بشكل بارز جداً، زد على ذلك القدرة على التصويت داخل البرلمان ـ نظراً لوجودهم بشكل كبير- بصورة أو بأخرى لإصدار المراسيم المختلفة التي عادة ما تصب في نهاية المطاف في مصلحة التيار ومؤيديه. تمثل هذا الحدث في منع مشاركة بعض مؤلفات تتنوع بين الأدبية والسياسية لبعض الكتاب والروائيين من مصر، وذلك في معرض الكتاب الكويتي في دورته الخامسة والثلاثين. الكتاب الذين ينتمون للنخب الليبرالية ذات التوجه العلماني. هذه النخب الثقافية والفكرية التي عرفت بنقدها المتواصل للفكر السلفي برمته، بل ويرونه فكراً صحراوياً وافداً من شبة الجزيرة العربية، على حد قول الناقد المصري جابر عصفور، رأت في ذلك تحدياً سافراً لحرية الثقافة والفكر، على رأس هؤلاء الكتاب جمال الغيطاني، ابراهيم أصلان، خيري شلبي، رضوى عاشور، علاء الأسواني، والروائي ابراهيم عبد المجيد. وعلى الرغم من ان التيارات السلفية في الكويت بجميع تشعباتها وأقسامها، لم تتفوه بكلمة ازاء ذلك المنع، ولم يخرج منها تصريح يشير إلى انها لا تقبل من قريب أو بعيد بدخول أو خروج أي من هذه الكتب أو غيرها، إلا ان اصابع الاتهام وُجهت من الخارج - أي من مصر- بشكل مباشر إلى التيار السلفي المتشدد، على حد وصفهم. وهو الوصف الذي جاء على لسان الروائي المصري ابراهيم عبد المجيد مضيفاً بأنه: 'أمر لا يمكن السكوت عليه'. واشار الروائي المصري إلى أن هذه الأمور في جملتها تدل بشكل لافت على ان التيار السلفي الذي ينمو في الكويت قد تعاظم، وأصبح يحقق مكاسب على حساب الثقافة والمثقفين، على حد وصفه. لا يمكن المرور على كلمات الروائي المصري الشهير ابراهيم عبد المجيد مرور الكرام، خاصة انها عكست بكلام موجز ما اضحت عليه قوة ذاك التيار الذي اضحى قوة كبيرة تحقق مكاسب في ميادين شتى وصلت الى ميدان الثقافة والفكر، على حد قول الروائي المصري.
موجز القول
لا شك في ان التيار السلفي بالكويت تجربة تستحق التركيز عليها، والقاء الضوء بشكل دائم على محطاتها، التي تُستحدث داخل الدولة الكويتية، خاصة انها أضحت حالة خاصة تختلف عن التيارات السلفية الأخرى في المنطقة العربية وخارجها، بدءاً من فكره الانطلاق في المشاركة بالانتخابات البرلمانية، وعدم اعتزال الواقع السياسي بل يتعــــــدى ذلك ليشارك في مـــــواقع خدمية ونشاطات متعدده، تتعدد صورها وأنماطها في ظل انسجام تام بلا تنافر أو تخاصم مع التيارات الفكرية الأخرى، خاصـــة النسائية مــنها. مما جعلها تقدم نفسها على انها نموذج مغايــر وحالة خاصة لم ترتق إليها التيارات السلفية الأخرى في المنطقة العربية وخارجها.